سورة هود - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ} أي: إلى العجل، {نَكِرَهُمْ} أنكرهم، {وَأَوْجَسَ} أضمر، {مِنْهُمْ خِيفَةً} خوفا. قال مقاتل: وقع في قلبه، وأصل الوجوس: الدخول، كان الخوف دخل قلبه. وقال قتادة: وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وإنما جاء بشر. {قَالُوا لا تَخَفْ} يا إبراهيم إنا رسل ربك. يعني:، {إِنَّا} ملائكة الله {أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}.
{وَامْرَأَتُه} سارة بنت هاران بن أحور وهي ابنة عم إبراهيم. {قَائِمَةٌ} من وراء الستر تسمع كلامهم. وقيل: كانت قائمة تخدم الرسل، وإبراهيم جالس معهم. {فَضَحِكَت} قال مجاهد وعكرمة: ضحكت أي: حاضت في الوقت، تقول العرب: ضحكت الأرنب، أي: حاضت. والأكثرون على أنَّ المراد منه الضحك المعروف.
واختلفوا في سبب ضحكها، قيل: ضحكت لزوال الخوف عنها وعن إبراهيم حين قالوا: لا تخف. وقال السدي: لما قرّب إبراهيم الطعام إليهم فلم يأكلوا خاف إبراهيم وظنهم لصوصا فقال لهم: ألا تأكلون؟ قالوا: إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن، فقال إبراهيم: فإن له ثمنا، قالوا وما ثمنه؟ قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره، فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال: حُقَّ لهذا أن يتخذه ربه خليلا. فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة، وقالت: يا عجبا لأضيافنا إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم.
وقال مقاتل والكلبي: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة في بيته وهو فيما بين خدمه وحشمه.
وقال: ضحكت سرورا بالبشارة.
وقال ابن عباس ووهب: ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنِّها وسنِّ زوجها.
وعلى هذا القول تكون الآية على التقديم والتأخير، تقديره: وامرأته قائمة فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت، وقالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز؟.
قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ} أي: من بعد إسحاق، {يَعْقُوبَ} أراد به والد الولد فبشرت أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها قرأ ابن عامر وحمزة وحفص يعقوب بنصب الباء، أي: من وراء إسحاق يعقوب. وقيل: بإضمار فعل، أي: ووهبنا له من وراء يعقوب. وقرأ الباقون بالرفع على حذف حرف الصفة. وقيل: ومن بعد إسحاق يحدث يعقوب، فلما بشرت بالولد ضحكت فصكت وجهها، أي: ضربت وجهها تعجبا.


{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى} نداء ندبة وهي كلمة يقولها الإنسان عند رؤية ما يتعجب منه، أي: يا عجبا. والأصل يا ويلتاه. {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} وكانت ابنة تسعين سنة في قول ابن إسحاق. وقال مجاهد: تسعا وتسعين سنة. {وَهَذَا بَعْلِي} زوجي، سمي بذلك لأنه قيّم أمرها، {شَيْخًا}؛ نصب على الحال، وكان سن إبراهيم مائة وعشرين سنة في قول ابن إسحاق. وقال مجاهد: مائة سنة، وكان بين البشارة والولادة سنة، {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}.
{قَالُوا} يعني الملائكة، {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} معناه: لا تعجبي من أمر الله، فإن الله عز وجل إذا أراد شيئا كان. {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} أي: بيت إبراهيم عليه السلام. قيل: هذا على معنى الدعاء من الملائكة، وقيل: معنى الخير والرحمة والنعمة.
والبركات جمع البركة، وهي ثبوت الخير. وفيه دليل على أن الأزواج من أهل البيت.
{إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} فالحميد: المحمود في أفعاله، والمجيد: الكريم، وأصل المجد الرفعة.


{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} الخوف، {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} بإسحاق ويعقوب، {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} فيه إضمار، أي: أخذ وظل يجادلنا.
قيل: معناه يكلمنا لأن إبراهيم عليه السلام لا يجادل ربه عز وجل إنما يسأله ويطلب إليه.
وقال عامة أهل التفسير: معناه يجادل رسلنا، وكانت مجادلته أنه قال للملائكة: أرأيتم لو كان في مدائن لوط خمسون من المؤمنين أتهلكونهم؟ قالوا: لا قال: أو أربعون؟ قالوا: لا قال: أو ثلاثون؟ قالوا: لا حتى بلغ خمسة، قالوا: لا، قال: أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا قال إبراهيم عليه السلام عند ذلك: إن فيها لوطا. قالوا: نحن أعلم بمن فيها، لننجيه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} قال ابن جريج: وكان في قرى قوم لوط أربعة آلاف ألف، فقالت الرسل عند ذلك لإبراهيم.
{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي: أعرض عن هذا المقال ودع عنك الجدال، {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي: عذاب ربك وحكم ربك، {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ} نازل بهم، {عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} أي: غير مصروف عنهم.
قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا} يعني: هؤلاء الملائكة، {لُوطًا} على صورة غلمان مرد حسان الوجوه، {سِيءَ بِهِمْ} أي: حزن لوط بمجيئهم، يقال: سؤته فسيء، كما يقال: سررته فسر. {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} أي: قلبا. يقال: ضاق ذرع فلان بكذا: إذا وقع في مكروه لا يطيق الخروج منه، وذلك أن لوطا عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشة، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم.
{وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} أي: شديد كأنه عصب به الشر والبلاء، أي: شدّ.
قال قتادة والسدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام نحو قرية لوط فأتوا لوطا نصف النهار، وهو في أرض له يعمل فيها.
وقيل: إنه كان يحتطب. وقد قال الله تعالى لهم: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوطٌ أربع شهادات، فاستضافوه فانطلق بهم، فلما مشى ساعة قال لهم: ما بلغكم أمر أهل هذه القرية؟ قالوا: وما أمرهم؟ قال: أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملا. يقول ذلك أربع مرات، فدخلوا معه منزله.
وروي: أنه حمل الحطب وتبعته الملائكة فمرّ على جماعة من قومه فغمزوا فيما بينهم، فقال لوط: إنَّ قومي شر خلق الله، ثم مرّ على قوم آخرين، فغمزوا، فقال مثله، ثم مرّ بقوم آخرين فقال مثله، فكان كلما قال لوط هذا القول قال جبريل للملائكة: اشهدوا، حتى أتى منزله.
ورُوي: أنّ الملائكة جاؤوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره ولم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيت لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، وقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13